الصفحات

إعلان مدفوع

Translate

الرئيسية البروفيسور محمد فضل الإرياني أستاذ المحاسبة والآثر الباقي

البروفيسور محمد فضل الإرياني أستاذ المحاسبة والآثر الباقي


   ربما كان يشبه الحجاج ابن يوسف الثقفي او متأثرا به، اتذكر حين دخل علينا القاعة في اول محاضرة  (سنة ثالثة)  لمادة الاطار النظري والعملي لمحاسبة التكاليف، كان ينقص أن يقول "انا ابن جلا وطلاع الثنايا متى اضع العمامة تعرفوني" ويكمل خطبة الحجاج التى قالها لأهل العراق، ويحق له كل ذلك فهو أستاذا متمكننا، مهابا وقطب كبير من أقطاب المحاسبة . 
الدكتور محمد فضل الارياني


  بعد أن تخرجت من الثانوية وقررت الدخول  لكلية التجارة، كنت قد سمعت عنه، من احد طلبة كلية الأداب حين قال لي: " الله يعينك على الارياني" لم اهتم لحديثه وتقدمت للكلية وبدأت الدراسة وهنا أدركت ما قصده طالب الآداب، لقد كان هذا الاكاديمي محل حديث الطلاب، مواقفه وطرائفه، حديث يتكرر كل يوم بقديمه وجديده.

  سأدون عن أكاديمي من طراز رفيع، حصل على الدكتوراة من أمريكا، في منتصف الثمانينات بدأ العمل استاذا للمحاسبة في كلية التجارة، جامعة صنعاء، وهنا بدأت قصة الأستاذ الصارم والأكاديمي الشهير الدكتور محمد فضل الارياني.
  في سبتمبر المنصرم نعت نقابة أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء أستاذنا الفقيد نسأل الله له الرحمة والمغفرة، وينحدر البروف الارياني من اسرة علم وقضاء وكان منها رئيس الجمهورية اليمنية الأسبق عبد الرحمن الارياني والدكتور عبد الكريم الارياني السياسي اليمني الشهير، والشاعر مطهر الارياني.

  بسيارته الكرسيدا المتوضعة موديل 89 كان يأتي للجامعة، يدخل قاعة ياسر عرفات أكبر قاعات الجامعة وهي ممتلئة بالطلاب، يسود الهدوء وكان على رؤوسنا الطير، يبدأ محاضرته متنقلا بين موضوع المحاضرة واحاديث في الفكر والفلسفة والسياسية، واحيانا خروجا الى غير المألوف حين يستفزه أحد الطلبه بالازعاج او من يغادر بلا إذن.

  يدرس البروف مادتي الاطار النظري والعملي لمحاسبة التكاليف ونظرية المحاسبة، لن يتخرج أحد من قسم المحاسبة كلية التجارة دون ضوء اخضر منه.  كان له رأي سياسي فقد كان جمهوريا حتى النخاع، وأتذكر كيف حذرنا من الغربان السود التى تحوم حول جمهوريتنا وبلدنا،  وللأمانة فقد كان ناقد لاذع للفساد والمفسدين وحديثه لا يخلوا من السخرية من الحكومة وفسادها  وعن وزير المالية الذى بقى التكاليف 4 سنوات.

  كثيرا ما يتداول مواقف طريفه للدكتور الارياني منها  "أن احد الطلاب اهداه عسل، فأخذ اسمه ورقم قيده وقال اعتبر نفسك مبقي في التكاليف، من اجل نطعم هذا العسل مره ثانية في السنة الجايه" وايضا حين قال انه لم يبكي في حياته الا مرتين حين توفت والدته وحين حصل احد طلابه على 70 ".
هو بحق أسطورة وسريع البديهة ومرح وساخر وله مواقف كثيرة خالدة، وهو مصدر فخر لكثير من خريجي المحاسبة من كلية التجارة، واتذكر يوما وقد انتقلت لسوق العمل، حين سمعت احد المدراء منتقدا فشل احد المحاسبين (من خريجي الجامعات الأهلية) : "كان تجيبوا لنا محاسب من أولاد الإرياني".

  لماذا يبقى الطلاب في مادة التكاليف ؟

  ربما كان للدكتور الارياني طرق ووسائل  للتدريس الأكاديمي مختلفة عن الجميع وخصوصا في اعداد الامتحانات، وهذا قد يعود لفلسفة خاصة به، وربما كانت تلك الطرائق والوسائل فوق مستوى فهم وثقافة الطالب التقليدية، نظرا لتدني مستوى جودة التعليم العالي، 
وقد كان يبرر رسوب الطلاب في مادته بأنه يعمل على غربلة الفاشلين والغشاشين، ويتحدث بشكل مستمر عن  تدهور التعليم في المدارس وانتشار ظاهرة الغش. 
   سمعته في احدى المحاضرات يقول " انا اتعامل معكم كباحثين لا كطلاب متلقين" ويضيف  "في الجانب النظري يجب ان تتوقع اني سأطرح عليك سؤالا في الإمتحان ليس بالضرورة ان يكون في مقرر المادة"، ويقول "ان على الطالب ان يقرأ كل المراجع في المادة" وهنا نجد فلسفة الدكتور الخاصة، حيث  كان يريد للطالب ان يبني ثقافته  المعرفية الواسعة بنفسه، ان يفهم لا ان يحفظ.
 وبصورة واضحة أكثر فالامتحانات التي يضعها الدكتور طويلة ولا يسع الوقت لحلها في 3 ساعات، على سبيل المثال يبدأ السؤال بمعادلة رياضية صعبة  بمجهولين، وبناءً على حل المعادلة الصحيح يتم اختيار الطريقة المناسبة لحساب تكالفة المخزون ( الوارد اولا صادر اوالوارد اخيرا صادر اولا او المتوسط المرجح ) وايضا الاسئلة النظرية لا تعتمد على مقرر المادة فحسب، وتركز على مدى فهم الطالب واستيعابه للمادة.

الموقف المؤسف 

   في ديسمبر 2011 وحين عادت الدراسة لجامعة صنعاء بعد توقفها بسبب احداث 2011 في اليمن عاد الدكتور للتدريس على ايقاع ثورة فبراير، كان للدكتور الكثير من الضحايا من التسعينات من الذين لم يتخرجوا بسبب عدم قدرتهم على تجاوز مادتيه او احدهما، ترصدوه وهو قادم لإلقاء محاضرة في نظرية المحاسبة لسنة رابعة، وصاحوا في وجهه " ارحل ارحل "،  كان موقف مخجل، وغير لائق ، بحق هذا الاستاذ الكبير، توقفت الدراسة تماما في كلية التجارة تضامنا مع الدكتور، لكنه لم يعد مرة أخرى .

   في احد المواقع الإخبارية التي اوردت الخبر يقول ابو سقراط المزحاني تعليقا على الحادثة  : "الدكتور محمد فصل الارياني غني عن التعريف فهو اصل المحاسبة (التكاليف) وفرعها المثمر الذي تجلت فيه روح النزاهة والعدالة في هذا البلد الذي تفشى فيه الفساد واستشرى مرض الوساطات. قلوبنا معك ايها الاب فنحن من تطعمنا بكتبك الثرية، وتذوقنا معارفك وخبراتك العملاقة في زمن الملازم وارصفة البسطات والامتحانات مسبقة الدفع. رعاك الله ايه الأب فانت من ورثة الأنبياء"

  في هذا المقام، ندعوا الله بالرحمة والمغفرة لأستاذنا الكبير، سائلين ان يتغمده بواسع رحمته، وان يسكنه فسيح جناته. وهو جدير بالتكريم من طرف جامعة صنعاء وكلية التجارة، هو يستحق تمثال يخلد ذكراه في ساحة الكلية، او أن تسمى إحدى القاعات بإسمه على اقل تقدير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حقوق النشر كافة الحقوق محفوظة - All rights reserved. يتم التشغيل بواسطة Blogger.